أول من كتب “بسم الله” في بداية الكتابة
تعتبر عبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” من أكثر العبارات شهرة واستخدامًا في العالم العربي والإسلامي، فهي تحمل في طياتها معاني عظيمة ومقدسة، وتستخدم في العديد من المناسبات الدينية والحياتية. تتكرر هذه العبارة في القرآن الكريم في بداية معظم السور، حيث تأتي تعبيرًا عن التوحيد والتمجيد لله سبحانه وتعالى، ولإظهار التوكل عليه في جميع أمور الحياة. لكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: من هو أول من كتب “بسم الله” في بداية الكتابة؟ وما هي الخلفية التاريخية لهذه العبارة وأسباب استخدامها منذ العصور القديمة؟
جذور “بسم الله” في التراث العربي والإسلامي
لا يمكن فهم تاريخ كتابة “بسم الله” دون النظر إلى مفهومها العميق في التراث العربي والإسلامي. كلمة “بسم” تعني “باسم”، وهي تشير إلى التسمية أو البداية باسم الله عز وجل، وهو إقرار من الكاتب أو المتحدث بقدرة الله وإرادته في جميع أعماله وأفعاله. أما “الله” فهو الاسم الذي يطلق على الخالق، وهو اللفظ الذي يرمز إلى الإله الذي لا إله غيره، وهو الذي لا يمكن تصور عظمته أو الإحاطة بكماله.
أما “الرحمن” و”الرحيم”، فيعتبران من أسماء الله الحسنى، فهما يشيران إلى رحمة الله التي وسعت كل شيء. لذلك، عند كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم”، يكون القصد هو التبرك باسم الله والبدء بكل عمل بنية خالصة وتوجيه النية لله، مع الإقرار بجلاله وعظمته.
أول من كتب “بسم الله”
إذا نظرنا إلى التاريخ الإسلامي، نجد أن أول من كتب “بسم الله” في بداية عمل مكتوب هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد ورد في العديد من المصادر التاريخية والحديثية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح رسائله إلى الحكام والأمراء بعبارة “بسم الله الرحمن الرحيم”. كان ذلك جزءًا من التقاليد الإسلامية التي شرعها النبي بعد أن نزل الوحي عليه، ليؤكد للمسلمين والمسؤولين في العالم الخارجي أن هذه الرسائل تأتي من مصدر سماوي، وأنه لا مجال للشك في قدسيتها أو مصداقيتها.
الرسائل التي أرسلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحكام كانت تعد أول تطبيق عملي لهذه العبارة في السياق الكتابي. على سبيل المثال، عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالته إلى هرقل ملك الروم، بدأها بـ “بسم الله الرحمن الرحيم”. وكان ذلك يشير إلى أن هذا بداية عمل مهم، وأن هذه الرسالة لا تحمل سوى دعوة واحدة وهي الدعوة إلى الإسلام، كما أنها تدعو إلى التوحيد بالله عز وجل.
“بسم الله” في القرآن الكريم
أما في القرآن الكريم، فقد كانت أول مرة ترد فيها “بسم الله” في بداية سورة الفاتحة، وهي السورة التي يعتبرها المسلمون أم الكتاب. تتكون سورة الفاتحة من سبع آيات، وتعد من أخص وأشهر السور في القرآن الكريم، كونها تُقرأ في كل صلاة. في بداية السورة، يأتي قول الله تعالى: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ”، وهو ما يُعتبر تأكيدًا على أهمية ذكر الله في بداية كل عمل، وعلى ما لهذا الذكر من مكانة في الإسلام.
الآية “بِسْمِ اللَّهِ” تعد بمثابة إعلان بداية العمل، وتحمل معاني العون والتوفيق من الله، كما تمثل التسليم الكامل للقدرة الإلهية. ولذلك، نجد أن هذه العبارة تتكرر في بداية معظم سور القرآن الكريم باستثناء سورتي التوبة والنمل، حيث لا تُذكر هذه العبارة في البداية.
أهمية “بسم الله” في السياق التاريخي
من الناحية التاريخية، كانت “بسم الله” رمزًا للطهارة والنقاء، وهي بمثابة إعلان للهداية الإلهية والتوفيق من الله تعالى عند الشروع في أي عمل أو كتابة. فقد كان العرب في العصر الجاهلي قبل الإسلام يكتبون في رسائلهم “بسم اللات والعزى”، حيث كانوا يذكرون أسماء آلهتهم الوثنية. لكن الإسلام، مع قدوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قام بتغيير هذه العادة، وجعل “بسم الله الرحمن الرحيم” بداية لكل عمل أو كتابة، ليثبت تميز الرسالة الإسلامية عن تلك الممارسات الوثنية.
وعندما بدأ المسلمون في نشر الإسلام، أخذوا هذه العبارة كجزء من تقاليدهم الكتابية. في العصور الإسلامية المبكرة، كان الخلفاء والولاة يحرصون على بداية رسائلهم وكتاباتهم بـ “بسم الله” باعتبارها علامة على الاصطفاء الإلهي والشرعية الدينية لأعمالهم.
دلالات “بسم الله” في الكتابة الإسلامية
إن كتابة “بسم الله” في بداية الأعمال الكتابية تعد رمزًا من رموز التوفيق الإلهي. فالمسلم الذي يكتب أو يبدأ أي عمل بهذه العبارة يضع نفسه تحت رعاية الله، ويطلب بركته وتوفيقه. كما أن ذلك يُعد وسيلة لطمأنينة النفس وتوجيه القلب إلى الله، ليشعر الكاتب بأن الله هو الذي يفتح له الطريق، وهو الذي يبارك عمله.
على مر العصور، ازداد الاهتمام باستخدام “بسم الله” في الأدب الإسلامي والفن والعمارة. فقد كان يتم نقش هذه العبارة على الجدران، والمخطوطات، والمصاحف، ليذكر الناس بالله في كل مكان وزمان. فكلما نظر المسلمون إلى هذه العبارة، تذكروا عظمة الله ورحمته، ووجهوا نياتهم وأفعالهم إلى الخير والصلاح.
في الأدب والفن
كانت “بسم الله” تظهر أيضًا بشكل بارز في الأدب والفن الإسلامي. ففي الشعر العربي الكلاسيكي، كان الشعراء يحرصون على استخدام “بسم الله” في بداية قصائدهم، ليدلوا بذلك على الإلهام والتوفيق الذي ينالونه من الله. كما كان الخطاطون المسلمون يبدعون في كتابة هذه العبارة بشكل فني رائع على المصاحف والمخطوطات، وهو ما يعكس الإيمان العميق بالقيمة الروحية لهذه الكلمة.
خاتمة
إن عبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” ليست مجرد كلمات تُكتب في بداية النصوص، بل هي إشارة إلى أن كل ما يقوم به المسلم من أعمال يجب أن يكون تحت رعاية الله وتوفيقه. تاريخ استخدام هذه العبارة يعود إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بدأ رسائله بها، ومن ثم أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الكتابة الإسلامية. ومن خلال هذا التاريخ العميق، يتضح لنا أن “بسم الله” هي أكثر من مجرد بداية، بل هي إعلان عن توكل المؤمن على الله في كل خطوة من خطواته.
